فصل: الفائدة الخامسة: المجادلة والمناظرة نوعان‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كتاب العلم **


 الفائدة الرابعة: الحفظ ينقسم إلى قسمين‏

القسم الأول‏:‏ غريزي‏:‏ يهبه الله تعالى لمن يشاء، فتجد الإنسان تمر عليه المسألة والبحث فيحفظه ولا ينساه‏.‏

والقسم الثاني‏:‏ كسبي‏:‏ بمعنى أن يمرن الإنسان نفسه على الحفظ، ويتذكر ما حفظ فإذا عود نفسه تذكر ما حفظ سهل عليه حفظه‏.‏

 الفائدة الخامسة: المجادلة والمناظرة نوعان‏

النوع الأول‏:‏ مجادلة مماراة‏:‏ يماري بذلك السفهاء ويجاري العلماء ويريد أن ينتصر قوله فهذه مذمومة‏.‏

النوع الثاني‏:‏ مجادلة لإثبات الحق وإن كان عليه فهذه محمودة مأمور بها، وعلامة ذلك ـ أي المجادلة الحقة ـ أن الإنسان إذا بان له الحق اقتنع وأعلن الرجوع، أما المجادل الذي يريد الانتصار لنفسه فتجده لو بان أن الحق مع خصمه، يورد إيرادات يقول‏:‏ لو قال قائل، ثم إذا أجيب قال‏:‏ لو قال قائل، ثم إذا أجيب قال‏:‏ لو قال قائل، ثم تكون سلسلة لا منتهى له، ومثر هذا عليه خطر ألا يقبل قلبه الحق، لا بالنسبة للمجادلة مع الآخر ولكن في خلوته، وربما يورد الشيطان عليه هذه الإيرادات فيبقى في شك وحيرة، كما قال الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏110‏]‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ من الآية49‏]‏‏.‏ فعليك يا أخي بقبول الحق سواء مع مجادلة غيرك أو مع نفسك، فمتى تبين لك الحق فقل‏:‏ سمعنا وأطعنا، وآمنا وصدقنا‏.‏

ولهذا تجد الصحابة يقبلون ما حكم به الرسول عليه الصلاة والسلام أو ما أخبر به دون أن يوردوا عليه الاعتراضات‏.‏

فالحاصل أن المجادلة إذا كان المقصود بها إثبات الحق وإبطال الباطل فهي خير، وتعودها وتعلمها خير لا سيما في وقتنا هذا، فإنه كثُرَفيه الجدال والمراء، حتى أن الشيء يكون ثابتًا وظاهرًا في القرآن والسنة يم يورد عليه أشكالات‏.‏

وهنا مسألة‏:‏ وهي أن بعض الناس يتحرج من المجادلة حتى وإن كانت حقًا استدلالًا بحديث‏:‏ ‏(‏وأنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب‏:‏كسوة الكعبة، وفي كتاب الاعتصام، باب‏:‏ الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏‏]‏ فيترك هذا الفعل‏.‏

فالجواب‏:‏ من ترك المراء في دين الله فليس بمحق إطلاقًا؛ لأن هذا هزيمة للحق، لكن قد يكون محقًّا إذا كان تخاصمه هو وصاحبه في شيء ليس له علاقة بالدين أصلًا، قال‏:‏ رأيت فلانًا في السوق، ويقول الآخر‏:‏ بل رأيته في المسجد، ويحصل بينهما جدال وخصام فهذه هي المجادلة المذكورة في الحديث، أما من ترك المجادلة في نصرة الحق فليس بمحق إطلاقًا فلا يدخل في الحديث

 الفائدة السادسة: من الأمور التي ينبغي لطالب العلم أن يهتم بها المذاكرة، والمذاكرة نوعان‏

النوع الأول‏:‏ مذاكرة مع النفس، بأن تجلس مثلًا جلسة وحدك ثم تعرض مسألة من المسائل أو مسألة قد مرت عليك، ثم تأخذ في محاولة عرض الأقوال وترجيح ما قيل في هذه المسألة بعضها على بعض، وهذه سهلة على طالب العلم، وتساعد على مسألة المناظرة السابقة‏.‏

النوع الثاني‏:‏ مذاكرة مع الغير، بأن يختار من إخوانه الطلبة من يكون عونًا له على طلب العلم، مفيدًا له، فيجلس مع ويتذاكرون، يقرأ مثلًا ما حفظاه، كل واحد يقرأ على الآخر قليلًا، أو يتذاكران في مسألة من المسائل بالمراجعة أو بالمفاهمة إن قدرا على ذلك فإن هذا مما ينمي العلم ويزيده، لكن إياك والشغب والصلف؛ لأن هذا لا يفيد‏.‏

 الفائدة السابعة: كراهية التزكية والمدح والتكبر على الخلق‏

وهذه يبتلي بها بعض الناس فيزكي نفسه، ويرى أن ما قاله هو الصواب وأن غيره إذا خالفه فهو مخطئ وما أشبه ذلك، كذلك حب المدح تجده يسأل عما يقال عنه فإذا وجد أنهم مدحوه انتفخ وزاد انتفاخه حتى يعجز جلده عن تحمل بدنه، كذلك التكبر على الخلق، بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ إذا آتاه الله علمًا تكبر، الغني بالمال ربما يتكبر ولهذا جعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏العائل المستكبر من الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم‏)‏، لأنه ليس عنده مال يوجب الكبرياء، لكن العالم لا ينبغي أن يكون كالغني كلما ازداد علمًا ازداد تكبرًا، بل ينبغي العكس كلما ازداد علمًا ازداد تواضعًا؛ لأن من العلوم التي يقرأها أخلاق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخلاقه كلها تواضع للحق وتواضع للخلق، لكن على كل حال إذا تعارض التواضع للحق مع التواضع للخلق أيهما يقدم‏؟‏

يقدم التواضع للحق، فمثلًا لو كان هناك إنسان يسب الحق ويفرح بمعاداة من يعمل به، فنا لا تتواضع له، تواضع للحق، وجادل هذا الرجل حتى وإن أهانك أو تكلم فيك فلا تهتم به، فلابد من نصرة الحق‏.‏

 الفائدة الثامنة: زكاة العلم تكون بأمور‏

الأمر الأول‏:‏ نشر العلم‏:‏ نشر العلم من زكاته، فكما يتصدق الإنسان بشيء من ماله، فهذا العالم يتصدق بشيء من علمه، وصدقة العلم أبقى دومًا وأقل كلفة ومؤنة، أبقى دومًا؛ لأنه ربما كلمة من عالم تُسمع ينتفع بها أجيال من الناس ومازلنا الآن ننتفع بأحاديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ولم ننتفع بدرهم واحد من الخلفاء الذين كانوا في عهده، وكذلك العلماء ننتفع بكتبهم ومعهم زكاة وأي زكاة، وهذه الزكاة لا تنقص العلم بل تزيده كما قيل‏:‏

يزيده بكثرة الإنفاق منه** وينقص إن به كفًّا شددت

الأمر الثاني‏:‏ العمل به‏:‏ لأنه العمل به دعوة إليه بلا شك، وكثير من الناس يتأسون بالعالم، بأخلاقه وأعماله أكثر مما يتأسون بأقواله، وهذا لا شك زكاة‏.‏

الأمر الثالث‏:‏ الصدع بالحق‏:‏ وهذا من جملة نشر العلم ولكن النشر قد يكون في حال السلامة وحال الأمن على النفس وقد يكون في حال الخوف على النفس، فيكون صدَّعًا بالحق‏.‏

الأمر الرابع‏:‏ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا شك أن هذا من زكاة العلم، لأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عارف للمعروف وعارف للمنكر ثم قائم بما يجب عليه من هذه المعرفة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏